الزكاة
الفصل
الأول : الزكاة في اللغة
المبحث
الأول : تعريف الزكاة
المطلب
الأول : تعريف الزكاة في اللغة
الزكاة
لغة : مصدر ((
زكا ))
الشيء إذا نما وزاد، وزكا فلان إذا صلح، فالزكاة هي : البركة والنماء والطهارة
والصلاح[1].
قال
في لسان العرب : وأصل الزكاة في اللغة : الطهارة والنماء والبركة والمدح، وكله قد
استعمل في القران والحديث.
والأظهر-كما
قال الواحدي وغيره- : أن أصل المادة (( زكا
)) الزيادة والنماء. يقال : زكي الزرع يزكو زكاء، وكل
شيء ازداد فقد زكا.
ولما
كان الزرع لاينمو إلا إذا خلص من الدغل كانت لفظة ((
الزكاة ))
تدل علي الطهارة أيضا، قال تعالي : (( قدأفلح
من زكاها))
أي طهرها عن الأدناس، ومثله قوله سبحانه :
(( قد أفلح من تزكي((
وإذا
وصف الأشخاص بالزكاة-بمعني الصلاح- فذلك يرجع إلي زيادة الخير فيهم، يقال : رجل
زكي، أي زائد الحد من قوم أزكياء، (( وزكي
القاضي الشهود )) إذا
بين زيادتهم في الخير.
وسمي
المال المخرج في الشرع زكاة لأنه يزيد في المخرج منه، ويقيه الآفات، قال تعالي :
((وآتوا الزكاة((
وتتمثل
هذه المعاني اللغوية في قوله سبحانه : ((خذ
من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)) فهي تطهر مؤديها من الإثم وتنمي أجره[2].
المطلب الثاني : الزكاة في
الشرع
تطلق علي
الحصة المقدرة من المال التي فرضها الله للمستحقين كما تطلق علي نفس إخراج هذه
الحصة[3].
وسميت هذه
الحصة المخرجة من المال زكاة لأنها تزيد في المال الذي أخرجت منه، وتوفره في
المعني وتقيه الآفات كما نقله النواوي عن الواحدي [4].
وعرفها
المالكية بأنها : إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص بلغ نصابا لمستحقه إن تم الملك،
وحول غير معدن وحرث.
وعرفها
الحنفية بأنها : تمليك جزء مال مخصوص من مال مخصوص لشخص مخصوص، عينه الشارع لوجه
الله تعالي، فقولهم (( تمليك)) احترز به عن(( الإباحة)) فلو أطعم يتيما ناويا الزكاة، لا يجزيه، إلا إذا دفع
إليه المطعوم، كما لو كساه، وذلك بشرط أن يعقل القبض، إلا إذا حكم عليه بنفقة
الأيتام. وقولهم ((جزء مال)) خرج المنفعة فلو أسكن فقيرا داره سنة، ناويا الزكاة لا
يجزيه، والجزء المخصوص : هو المقدار الواجب دفعه، والمال المخصوص : هو النصاب
المقدر شرع، والشخص المخصوص : هم مستحقو الزكاة. وقولهم عينه الشارع هو ربع عشر
نصاب معين مضي عليه الحول، فأخرج الصدقة النافلة والفطرة. وقولهم (( لله تعالي)) أي بقصد مرضاة الله تعالي.
وعرفها
الشافعية : بأنها اسم لما يخرج من مال أو بدن علي وجه مخصوص.
وتعريفها عند
الحنابلة هو أنها حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص.
والطائفة : هم
الأصناف الثمانية المشار إليهم بقوله تعالي : (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين- الآية)) والوقف المخصوص : هو تمام الحول في الماشية والنقود (الأثمان) وعروض التجارة،
وعنداشتداد الحب في الحبوب وعند بدو صلاح الثمرة التي تجب فيها الزكاة، وعند حصول
ما تجب فيه الزكاة من العسل، واستخراج ما تجب فيه من المعادن، وعند غروب الشمس من
ليلة الفطر لوجوب زكاة الفطر.
وبه
يتبين أن الزكاة أطلقت في عرف الفقهاء علي نفس فعل الإيتاء، أي أداء الحق الواجب
في المال، وأطلقت أيضا علي الجزء المقدر من المال الذي فرضه الله حقا للفقراء.
وسمي الزكاة صدقة، لدلالتها علي صدق العبد في العبودية وطاعة الله تعالي.
وقال
ابن تيمية : نفس المتقدق تزكو، وماله يزكو، يطهر ويزيد في المعني[5].
ونقل
النووي عن صاحب الحاوي قال : (( أعلم
أن الزكاة لفظة عربية معروفة قبل ورود الشرع، مستعملة في أشعارهم، وذلك أكثر من أن
يستدل له )).
وقال
داود الظاهري : لا أصل لهذا الاسم في اللغة وإنما عرف بالشرع.
قال
صاحب الحاوي : وهذا القول وإن كان فاسدا، فليس الخلاف فيه مؤثرا في أحكام الزكاة[6].
المطلب الثالث : معني الصدقة
والزكاة
الشرعية قد تسمي في لغة القرآن والسنة صدقة، حتي قال الماوردي : ((
الصدقة زكاة، والزكاة صدقة، يفترق الاسم ويتفق المسمي[7])).
قال
تعالي : ((
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها )) وقال
: (( ومنهم من يلمزك في
الصدقات، فإن أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون)).
(( إنما الصدقات
للفقراء والمساكين الآية))
إلي غيرها من الآيات.
وفي الحديث : (( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود صدقة وليس فيما دون
خمس أواق صدقة[8] )).
وفي حديث
إرسال معاذ إلي اليمن : (( أعلمهم أن
الله افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم)).
وهذه
النصوص كلها قد جائت في شأن الزكاة عبرت عنها بالصدقة، ومنه سمي العامل علي الزكاة
مصدقا، لأنه يجمع الصدقات ويفرقها.
بيد أن العرف
قد ظلم كلمة الصدقة، وأصبحت عنوانا علي التطوع وما تجود به النفس علي مثل
المتسولين والشحاذين.
ولكن
المدلولات العرفية يجب أن لا تخدعها عن حقائق الكلمات في لغة العرب في عهد نزول
القرآن، ومادة الصدقة مأخوذة من الصدق.
وللقاضي أبي
بكر بن العربي كلام قيم في معني تسمية الزكاة صدقة، قال : (( وذلك مأخوذ من الصدق في مساواة الفعل للقول والاعتقاد ...)
وبناء ((ص د ق )) يرجع إلي تحقيق شيء بشيء وعضده به، ومنه صداق المرأة، أي
تحقيق الحل وتصديقه بإيجاب المال والنكاح علي وجه مشروع.
فالصدقة
إذا دليل ((
الصدق ))
في الإيمان. و((
التصديق ))
بيوم
الدين. ولهذا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (( الصدقة
برهان[9])
المبحث الثاني : فرضية
الزكاة
الزكاة ركن من
أركان الإسلام الخمسة، وفرض منن فروضه، وفرضت في المدينة في شوال السنة الثانية من
الهجرة بعد فرض رمضان وزكاة الفطر، ولكن لاتجب علي الأنبياء إجماعا، لأن الزكاة
طهرة من لمن عساه أن يتدنس، والأنبياء مبرؤون منه، ولأن ما في أيديهم ودائع لله،
ولأنهم لاملك لهم، ولا يورثون أيضا، وقرنت بالصلاة في القرآن الكريم في اثني
وثمانين موضعا، مما يدل علي الاتصال بينهما.
وهي واجبة
بكتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم وإجماع اللأمة.
أما الكتاب : فقوله تعالي : ((وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)) وقوله:
(( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)) وقوله سبحانه : (( وآتوا حقه يوم
حصاده)) وآي سوي ذلك.
وأما السنة : فقوله صلي الله عليه وسلم : ((بني الإسلام علي خمس ..
منها إيتاء الزكاة)) وبعث النبي معاذا إلي اليمن، فقال: (( أعلمهم أن الله افترض
عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد علي فقرائهم[10])).
وأخبار أخري.
وأجمع المسلمون في جميع الأعصار علي وجوب الزكاة, والتفق
الصحابة رضي الله عنهم علي قتال مانعيها، فمن أنكر فريضتها كفر وارتد إن كان مسلما
ناشئا ببلاد الإسلام بين أهل العلم، وتجري عليه أحكام المرتدين ويستتاب ثلاثا، فإن
تاب وإلا قتل. ومن أنكر وجوبها جهلا به إما لحداثة عهده بالإسلام أو لاأنه نشأ
ببادية نائية عن الأمصار، عرف وجوبها ولايحكم بكفره، لأنه معذور
المبحث الثالث : التحذير الشديد من منع الزكاة
لمانع الزكاة
عقاب في الآخرة وعقاب في الدنيا، أما عقاب الآخرة فهو العذاب الأليم، لقوله تعالي
: ((والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله،
فبشرهم بعذاب أليم.يوم يحمي عليها في نار جهنم، فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم،
هذا ما كنزتم لأنفسكم، فذوكوا ما كنتم تكنزون)).
رواه البخاري
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( من آتاه الله مالا، فلم يؤد زكاته، مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع، له
زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بلهزميته - يعني بشدقيه- ثم يقول : أنا مالك، أناكنزك، ثم
تلا: (( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم من فضله هو خيرا له،
بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة، ولله ميراث السموات والأرض والله
بما تعملون خبير))[11]
الشجاع :
الحية الذكر، والأقرع : الذي لا شعر له لكثرة سمه، وطول عمره. والزبيبتان : نقطتان
سودوان فوق العينين وهو أخبث الحيات.
وروي مسلم عنه
أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( ما من صاحب
ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها – أي زكاتها- إلا جعلت له يوم القيامة صفائح، ثم
أحمي عليها في نار جهنم، فيكوي بها جنبه وجبهته وظهره، في يوم كان مقداره خمسين
ألف سنة، حتي يقضي بين الناس فيري سبيله، إما إلي الجنة، وإما إلي النار))
وأما العقاب
الدنيوي الذي يتولاها القدر الأعلي، يقول عليه الصلاة والسلام : (( ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين [12].
جمع سنة، وهي المجاعة والقطح.
وأما العقاب
الدنيوي للفرد بسبب التقصير والإهمال فهو أخذها منه والتعزير والتغريم المالي وأخذ
الحاكم شطر المال قهرا عنه. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (( من أعطاها -
أي الزكاة- مؤتجرا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عغمات ربنا
تبارك وتعالي، لا يحل لآل محمد منها شيء))[13]
فإن كان مانع
الزكاة جاحدا لوجوبها فقد كفر، كما بينا، وقتل كما يقتل المرتد، لأن وجوب الزكاة
معلوم من دين الله عز وجل ضرورة (بداهة)، فمن جحد وجوبها فقد كذب الله تعالي، وكذب
رسوله، فحكم بكفره.
وتقاتل
الجماعة مانعة الزكاة جحودا، كما فعل الصحابة في عهد الخليفة الأول - أبي بكر رضي
الله عنه- قال أبو بكر : " والله
لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا [14]،
كانوا يؤدونها إلي رسول الله لقتالتهم علي منعها[15]،
وفي لفظ مسلم والترمذي وأبو داود : ((لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه)) وبناء عليه
قال العلماء بالاتفاق : إذا منع واحد أو جمع الزكاة وامتنعوا بالقتال، وجب علي
الإمام قتالهم، وإن منعها جهلا بوجوبها أو بخلا بها لم يكفر.
المبحث الرابع : سبب
الزكاة وشروطها وركنها
المطلب الأول : سبب الزكاة
قال الحنفية [16]
:سبب الزكاة : ملك مقدار النصاب النامي ولو تقديرا بالقدرة علي الاستنماء بشرط
حولان الحول القمري لا الشمسي، وبشرط عدم الدين الذي له مطالب من جهة العباد،
وكونه زائدا عن حاجته الأصلية.
ويلاحظ أن السبب والشرط يتوقف عليهما
وجود الشيء، إلا أن السبب يضاف إليه الوجوب دون الشرط، فمن لم يملك النصاب لا زكاة
علبه، فلا زكاة في الأوقاف لعدم الملك ولا فيما أحرزه العدو في ديارهم، لأنهم
ملكوه بالإحراز.
والمقصود بالنصاب : هو ما نصبه الشرع
علامة علي وجوب الزكاة من المقادير الآتية في بحث أموال الزكاة، كمائتي درهم
وعشرين دينارا.
وبناء عليه لا زكاة علي مال اشتراه
للتجارة قبل قبضه، لعدم الملك التام. ولا زكاة باتفاق المذاهب علي الحوائج الأصلية
من ثياب البدن والأمتعة ودور السكني ( العقارات) وأثاث المنزل ودواب الركوب، وسلاح
الاستعمال والكتب العلمية وإن لم تكن لأهلها إذا لم ينو بها التجارة، وآلات
المحترفين لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية وليست بنامية أصلا.
ولا زكاة عند الحنفية أيضا لعدم النمو
في مال مفقود أو ضال وجده بعد سنين، ولا في ساقط في البحر استخرجه بعد سنين ولا في
مغصوب لا بينة عليه فلو كانت له بينة تجب الزكاة بعد قبضه من الغاصب لما مضي من
السنين ولا في مدفون ببرية نسي مكانه ثم تذكره، ولا في وديعة منسية عند غير معارفه
أي عند الأجانب فلو كانت منسية عند معارفه تجب الزكاة لتفريطه بالنسيان في غير
محله ولا في دين جحده المديون سنين ولا بينة له عليه، ثم توافرت له بينة بأن أقر
بعدها عند قوم ولا علي ما أخذ مصادرة، أي ظلما ثم وصل إليه بعد سنين. أما لو كان
الدين علي مقر مليء أو علي معسر أو مفلس (محكوم بإفلاسه) أو علي جاحد عليه بينة،
فعليه الزكاة علي ما مضي علي المعتمد في حالة الجاحد إن وصل إلي ملكه.
ودليل الحنفية علي عدم وجوب الزكاة في
هذه الأحوال : حديث ((
لا زكاة في مال الضمار [17])) أي ما لا يمكن
الانتفاع به مع بقاء الملك.
ولا زكاة بالاتفاق علي مالم يحل عليه
الحول، أي يمضي عليه سنة، كما بينت السنة النبوية الآتي بيانها في الشروط.
ولا زكاة بالاتفاق علي سائر الجواهر
واللآلىء ونحوها كالياقوت والزبرجد والفيروزج والمرجان، لعدم ورود ما يوجبها في
الشرع، ولأنها معدة للاستعمال، إلا أن تكون للتجارة.
ولا زكاة عند الجمهور علي المواشي
العلوفة والعوامل، وإنما الزكاة علي السائمة، وأوجب المالكية الزكاة علي المعلوفة
والعوامل.
المطلب الثاني : ركن الزكاة
فهو إخراج جزء من النصاب بإنهاء يد المالك عنه،
وتمليكه إلي الفقير وتسليمه إليه أو إلي ما هو نائب عنه وهو الإمام أو المصدق
(الجابي[18]).
المطلب الثالث : شروط الزكاة
للزكاة شروط وجوب وشروط صحة، فتجب
بالاتفاق علي الحر المسلم البالغ العاقل إذا ملك نصابا ملكا تاما وحال عليه الحول
وتصح بالنية المقالرنة للأداء اتفاقا.
1. الحرية
فلا تجب الزكاة اتفاقا علي العبد، لأنه
لا يملك، والسيد مالك لما في يد عبده، والمكاتب ونحوه وإن ملك إلا أن ملكه ليس
تاما، وإنما تجب الزكاة في رأي الجمهور علي سيده لأنه مالك لمال عبده، فكانت زكاته
عليه كالمال الذي في يد الشريك المضارب والوكيل.
وقال المالكية : لا زكاة في مال العبد
ل علي العبد ولا علي سيده، لأن ملك العبد ناقص، والزكاة إنما تجب علي تام
الملك،ولأن السيد لا يملك مال العبد.
2. الإسلام
فلا زكاة علي كافر بالإجماع، لأنها
عبادة مطهرة وهو ليس من أهل الطهر.
وأوجب الشافعية خلافا لغيرهم علي
المرتد زكاة ماله قبل ردته، أي في حال الإسلام، ولا تسقط عنه، خلافا لأبي حنيفة
فإنه أسقطها عنه، لأنه يصير كالكافر الأصلي. وأما زكاة ماله حال الردة، فالأصح عند
الشافعية أن حكمها حكم ماله، وماله موقوف، فإن عاد إلي الإسلام وتبينا بقاء ماله
فتجب عليه، وإلا فلا.ولم يوجب الفقهاء علي الكافر الأصلي الزكاة إلا ب حالتين:
إحداهما – العشور : قال المالكية
والحنابلة والشافعية، يؤخذ العشر من تجار أهل الذمة والحربيين إذا اتجروا إلي بلد
من بلاد المسلمين من غير بلادهم، وإن تكرر ذلك مرارا في السنة،سواء بلغ ما بأيديهم
نصابا أم لا.
ويؤخذ عند المالكية نصف العشر منهم مما
حملوا إلي مكة والمدينة وقراهما من القمح والزيت خاصة.
واشترط أبو حنيفة فيه النصاب، وقال :
إنما يؤخذ من الذمي نصف العشر خاصة، ومن الحربي العشر علي أساس المجازاة أو
المعاملة بالمثل.
وقال الشافعي، لا يؤخذ منهم شيء إلا
بالشرط، فإن شرط علي الحربي العشر حال أخذه أخذ وإلا فلا.
والثانية- قال أبو حنيفة والشافعي
وأحمد: تضاعف الزكاة علي نصاري بني تغلب خاصة[19]،
لأنها بديل عن الجزية، وعملا بفعل عمر رضي الله عنه.
ولا يحفظ عن مالك في ذلك نص.
3. البلوغ والعقل
شرط عند الحنفية، فلا زكاة علي الصبي
والمجنون في مالهما، لأنهما غير مخاطبين بأداء العبادة كالصلاة والصوم.
وقال الجمهور: لايشترطان، وتجب الزكاة
في مال الصبي والمجنون، ويخرجها الولي من مالهما لحديث : ((من ولي يتيما له مال
فليتجر له، ولا يتركه حتي تأكله الصدقة))، وفي رواية : ((ابتغوا في مال اليتامي،
لاتأكلها الزكاة[20]. ولأن الزكاة ترد
لثواب المزكي، ومواساة الفقير، والصبي والمجنون من أهل الثواب، ومن أها المواساة،
ولهذا يجب عليهما نفقة الأقارب.وهذا الرأي أولي لما فيه من تحقيق مصلحة الفقراء،
وسد حاجتهم، وتحصين المال من تطلع المحتاجين إليه، وتزكية النفس، وتدريبها علي خلق
المعونة والجود.
4. الملك التام للمال
واختلف الفقهاء في المراد
بالملك، أهو ملك اليد (الحيازة) أم ملك
التصرف أم أصل الملك؟
فقال الحنفية [21]
: المقصود أصل الملك وملك اليد[22]. بأن يكون مملوكا
فلا زكاة في سوائم الوقف والخيل الموقوفة، لعدم الملك، ولاتجب الزكاة في المال
الذي استولي عليه العدو وأحرزه بداره، لأن الأعداء في رأي الحنفية ملكوه بالإحراز،
فزال ملك المسلم عنه، ولا في الزرع النابت في أرض مباحة لعدم الملك، ولا علي
المدين الذي في يده مال للغير لعدم الملك، وإنما زكاة هذا المال علي المالك
الأصلي، وكذالك أن يكون مملوكا في اليد أي مقبوضا، فلو ملك شيئا ولم يقبضه، كصداق
المرآة قبل قبضه، فلا زكاة عليها فيه. ولا زكاة في المال الضمار : وهو كل مال غير
مقدور الانتفاع به، مع قيام أصل الملك كالحيوان الضال، والمال المفقود والمال
الساقط في البحر، والمال الذي أخذه السلطان مصادرة، والدين المجحود إذا لم يكن
للمالك بينة وحال الحول ثم صار له بينة، بأن أقر عند الناس، والمال المدفون في
الصحراء إذا خفي علي المالك مكانه، فإن كان مدفونا في البيت تجب فيه الزكاة
بالجماع
وقال المالكية [23]:
المقصود أصل الملك والقدرة علي التصرف فيما ملك فلا زكاة علي المرتهن فيما تحت يده
من شيء غير مملوك له، لعدم الملك، ولا زكاة في مال مباح لعموم الناس، كالزر النابت
وحده في أرض غير مملوكة لأحد، لعدم الملك، ولا زكاة علي غير مالك كغاصب ووديع
وملتقط.
وتجب الزكاة علي المرآة
في صداقها بعد قبضه ومضي حول عليه، وتجب الزكاة علي الواقف في ملكه إن بلغ
نصابا،أو نقص عن النصاب، وكان عند الواقف ما يملك به النصاب، إن تولي المالك
القيام به بأن كل النبات تحت يد الواقف يزرعه ويعالجه حتي يثمر ثم يفرقه، لأن
الوقف لا يخرج العين عندهم عن الملك. وتجب الزكاة علي المدين في مال النقود الذي
بيده لغيره،متي مضي حول عليه، إن كان عنده مايمكنه أن يوفي الدين منه من عقار أو
غيره، لأنه بالقدرة علي دفع قيمته صار مملوكا له، فإن كان المال الذي عنده حرثا
(زرعا أو ثمرا) أو ماشية أو معدنا، فتجب عليه زكاته، ولو لم يكن عنده ما يوفي ا
زكاة في به الدين.
وقال الشافعية [24]:
المطلوب توافر أصل الملك التام والقدرة علي التصرف، فلا زكاة علي السيد في مال
المكاتب لأنه لا يملك التصرف فيه، فهو كمال الأجنبي، ولا زكاة في الأوقاف، لأنها
في الأصح علي ملك الله تعالي، ولا علي المال المباح لعموم ملك الناس كزرع النبت
بفلاة وحده. دون أن يستنبته أحد، لعدم الملك الخاص. وتجب الزكاة علي المستاجر لأرض
الوقف المأجورة، مع أجرة الأرض، وعلي الموقوف عليه المعين في ثمار الأشجار
الموقولة من نخل وعنب. وفي الجديد تجب الزكاة في المال المغصوب والضال، واللقطة في
السنة الأولي، والمسروق والساقط في البحر والمال الغائب والشيء المودع بعد عود
المال إلي يد المالك، لأنه مال مملوك لصاحبه يملك المطالبة به، ويجبر الغاصب علي
تسليمه إليه كالمال الذي في يد وكيله.
والصحيح أنه تجب
الزكاة علي الملتقط إذا مضي عليه حول من حين ملك اللقطة، لأنه ملك مضي عليه حول في
يد مالكه.
والأصح أن الدين لا
يمنع وجوب الزكاة، لأن الزكاة تتعلق بعين المال، والدين يتعلق بالذمة، فلا يمنع
أحدهما الآخر، كوجود الدين وأرش الجناية.
ويجب علي المرأة زكاة
صداقها وتخرجها بعد قبضه، لأنه في يد زوجها من قبيل الدين، وعلي المدين زكاةالمال
الذي استدانه م غيره، إذا حال عليه حول وهو في ملكه، لأنه ملكه بالاستقراض ملكا
تاما.
وقال الحنابلة[25]:
لابد من توافر أصل الملك والقدرة علي التصرف علي حسب اختياره، فلا تجب الزكاة في
الموقوف علي غير معين كالمساجد والمدارس والمساكين ونحوها، وتجب الزكاة في الموقوف
علي معين كأرض أو شجر، وتجب علي الراجح في المغصوب والمسروق والمجحود والضال إذا
قبضه كالدين، وتجب في اللقطة علي الملتقط إذا صارت بعد الحول كسائر أمواله ، إذا
مضيعليها حول بعد تعريفها، والمرأة إذا قبضت صداقها زكته لما مضي، لأنه دين، وحكمه
كزكاة الديون علي ما مضي، فإن قبضت صداقها قبل الدخول ومضي عليه حول فزكته، ثم
طلقها الزوج قبل الدخول، رجع فيها بنصفه، وكانت الزكاة من النصف الباقي لها.
فلا غرو أن وجدنا
القرآن الكريم يضيف الأموال إلي الناس، مع أنها في الحقيقة أموال الله فيقول تعالي
: (( يأيها الذين آمنوا لا تهلكمأموالكم )) (( إنما أموالكم وأولادكم فتنة)) ((
يحسب أن ماله أخلده)) (( ما أغني ماله وما كسب)) (( في أموالهم حق للسائل
والمحروم)) (( خذ من أموالهم صدقة)) (( فلا تعجبك أموالهم ولاأولادهم)) (( فادفعوا
إليهم أموالهم)) (( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)).
إلي غير ذالك من
الآيات الكريمة.
بل إن الله تعالي
ببالغ لطفه وكرمه ليستقرض الإنسان من هذا المال الذي هو ماله وعطائه تبارك وتعالي،
ويشتريه من عباده وهو صاحبه، فضلا منه وبرا. قال تعالي : (( من ذا الذي يقرض الله
قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة )) (( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه
له ولهأجر كريم )) (( فقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واقرضوا الله قرضا حسنا ))
وقال عز وجل (( إن
الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)). وقال الحسن : اشتري منهم
أنفسا وهو الذي خلقها، وأموالا وو الذي رزقها !!
وعلي كل حال، فليس المراد
بالملك التام : الملك الحقيقي لأنه لله وحده ولكن لمراد بالملك هنا الحيازة
والتصرف والاختصاص الذي ناطه الله بالإنسان، فمعني ملك الإنسان للشيء، أنه أحق
بالانتفاع بعينه أو منفعته من غيره، وذالك باستيلائه عليه بوسيلة من الوسائل
التملك المشروعية، من عمل أو عقد أوميراث أو غيرها، وهذا الملك بإذن الله تعالي
وشرعه.
وشر هذا التمليك
للبشر ماقاله حكيم الإسلام في الهند الشيخ أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي: أنه تعالي
لما أباح لهم الانتفاع بالأرض وما فيها وقعت المشاحة، فكان الحكم حينئذ : ألا يهيج
أحد عما سبق إليه من غير مضارة، والأرض كلها في الحقيقة بمنزلة مسجد أو رباط جعل
وقفا علي أبناء السبيل، وهو شركاء فيه فيقدم الأسبق فالأسبق ومعني ملك الآدمي
للشيء : أنه أحق بالنتفاع به من غيره[26].
ومعني تمام الملك : أن
يكون المال مملوكا له رقبة ويدا [27]. أو كما شرحهبعض
الفقهاء : أن يكون المال بيده ولم يتعلق به حق غيره، وأن يتصرف فيه باختياره، وأن
تكون فوائده حاصلة له[28].
2. النماء
الشرط الثاني، أن
يكون المال الذي تؤخذ منه الزكاة ناميا بالفعل، أو قابلا للنماء ومعني النماء بلغة
العصر : أن يكون من شأنه أن يدر علي صاحبه ربحا وفائدة، أي دخلا أو غلة أو إيرادا
حسب تعبير علماء الضريبة أو يكون هو نفسه نماء، أي فضلا وزيادة، وايرادا جديدا،
وهذا ما قرره فقهاء الإسلام، وبينوا حكمته بوضوح ودقة.
قالوا: النماء في
اللغة الزيادة، وفي الشرع نوعان : حقيقي وتقديري، فالحقيقي: الزيادة
بالتوالدوالتناسل والتجارات ونحوها، والتقديري : تمكنه من الزيادة بأن يكون المال
المقابل لذالك في يده أو يد نائبه[29].
3. بلوغ النصاب
لم يفرض الإسلام زكاة
في أي قدر منالمال النامي، وإن كان ضئيلا، بل اشترط أن يبلغ المال مقدارا محددا
يسمي (النصاب) في لغة الفقه، فقد جائت الأحاديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم
بإعفاء ما دون الخمس من الإبل، والأربعين من الغنم، فليس فيهما زكاة وكذلكما دون
مائتي درهم من النقود الفضية (الورق)، وما دون خمسة أوسق من الحبوب والثمار
والحاصلات الزراعية.
قال شيخ الإسلام
الدهلوي في بيان الحكمة من هذة المقادير : (إنما قدر منالحب والتمر خمسة أوسق،
لأنها تكفي أقل أهل بيت إلي سنة، وذلك لأن أقل البيت الزوج والزوجة وثالث : حادم
أو ولد بينهما، وما يضاهي ذلك من أقل البيوت. وغالب قوت لإنسان رطل أو مد من الطعام،
فإذا أكل كل واحد من هؤلاء ذلك المقدار كفاهم لسنة، وبقيت بقية لنوائبهم أو
إدامهم.
وإنما قدر من الورق
خمس أواق (مائتي درهم) لأنها مقدار يكفي قل أهل بيت سنة كاملة إذا كان الأسعار
موافقة في أكثر الأقطار، واستقرىء عادات البلاد المعتدلة في الرخص والغلاء تجد ذلك.
وإنما قدر من الإبل
خمس ذود، وجعل زكاته شاة، وإن كان الأصل ألا تؤخذ الزكاة إلا من جنس المال، وأن
يجعل النصاب عددا له بال، لأن الإبل أعظم المواشي جثة، وأكثرها فائدة، يمكن أن
تذبح وتركب وتحلب ويطلب منها النسل، ويستدفأ بأوبارها وجلودها. وكان بعضهم يقتني نجائب
قليلة تكفي كفاية الصرمة. وكان البعير يسوي في ذلك الزمان بعشر شياة، وبثمان شياة،
واثنتي عشرة شاة، كما ورد في كثير من الأحاديث فجعل خمس ذود في حكم أدني نصاب من
الغنم وجعل فيها شاة[30] )).
واشتراط النصاب في
مال الزكاة مجمع عليه بين العلماء، في غير الزروع والثمار والمعادن، ويري أبوحنيفة
أن في قليل ما أخرجت الأرض وكثيره العشر، وكذلك روي عن ابن عباس وعمر بن عبد
العزيزوغيرهما : أن في عشر حزممن البقل تخرجها الأرض حزمة منها صدقة واجبة.
ولكن جمهور العلماء
يرون النصاب شرطا لابدمنه لوجوب الزكاة في كل مال، يستوي في ذلك الخارج من الأرض
وغيره من المال، وحجتهم في ذلك حديث : (( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)) وهوما
يقتضيه القياس علي الأموال الأخري من الأنعام والنقود وعروض التجارة.
والحكمة في اشتراط
النصاب واضحة بينة، وهي أن الزكاة إنما هي ضريبة تؤخذ من الغني مواساة للفقير ومشاركة
في مصلحة الإسلام والمسلمين، فلابد أن تؤخذ من مال يحتمل المواساة، ولا معني لأن
نأخذ من الفقير ضريبة، وهوفي حاجة إلي أن يعاد، لا أن يعين، ومن ثم قال صلي الله
عليه وسلم: (( لا صدقة إلا عن ظهر الغني[31])).
ومن هنا اتجه التشريع
الضريبي الحديث إلي إعفاء ذوي الدخل المحدودمن فرض الضرائب عليهم، رفقا بهم،
ومرتعاة لحالهم، وعدم مقدرتهم علي الدفع وهوما سبقت به شريعة الله منذ أربعة عشر
قرنا من الزمان.
4. الفضل عن الحوائج
الأصلية
5. السلامة من الدين
6. حولان الحول
ومعناه : أن يمرعلي
الملك في ملك المالكاثنا عشر شهرا عربيا، وهذا الشرط إنما هو بالنسبة للأنعام
والنقود والسلع التجارية (وهوما يمكن أن يدخل تحت اسم زكاة رأس المال). أما الزروع
والثمار والعسل والمستخرج من المعادن والكنوز ونحوها فلا يشترط لها حول ((وهوما
يمكن أن يدخل تحت اسم زكاة الدخل ))
السر في اعتبار الحول
لبعض الأموال
والفرق بين ما اعتبر
له الحول، وما لم يعتبر له، ما قاله الإمام ابن قدامة : إن ما عتبر له الحول مرصد
للنماء، فالماشية مرصدة للدر والنسل، وعروض التجارة مرصدة للربح، وكذا الأثمان فاعتبر
له الحول لأنه مظنة النماء ليكونإخراج الزكاة من الربح، فإنه أيسر وأسهل، ولأن
الزكاة إنما وجبت مساواة.
ولم تعتبر حقيقة
النماء، لكثرة اختلافه، وعدم ضبطه، ولأن ما اعتبرت مظنته لم يلتفت إلي حقيقته،
كالحكم مع الأسباب ولأن الزكاة تتكرر في هذه الأموال، فلابد لها من ضابط كيلا يفضي
إلي تعاقب الوجوب في الزمن الواحد مرات فينفد مال المالك.
أما الزروع والثمار
فهي نماء في نفسها، تتكامل عند إخراج الزكاة منها، فتزرع وتؤخذ الزكاة منها حينئذ
ثم تعود في النقص لا في النماء، فلا تجب فيها زكاة ثانية، لعدم ارتصادها للنماء،
والخارج من المعدن مستفاد خارج من الأرض بمنزلة الزرع والثمرة.
الدليل علي اشتراط
الحول
ذكر ابن رشد[32]:
أن جمهور الفقهاء يشترطون في وجوب الزكاة في الذهب والفضة والماشية الحول، لثبوت
ذلك عن الخلفاءالأربعة، ولانتشاره في الصحابة رضي الله عنهم، ولانتشار العمل به
ولاعتقادهم أن مثل هذا الانتشار منغير خلاف، لا يجوز أن يكون إلا عن توقيف.وقد روي
مرفوعا من حديث ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : (( لا زكاة في مال
حتي يحول عليه الحول [33])).
وهذا مجمع عليه عند
فقهاء الأمصار، وليس فيه في الصدر الأول خلاف إلا ما رويعن ابن عباس ومعاوية. وسبب
الاختلاف أنه لم يرد في ذلك حديث ثابت[34].
خلاف بعض الصحابة
والتابعين واشتراطالحول
جاء عن ابن مسعود
وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم وجوب تزكية المال عند استفادته، دون اشتراط
الحول.
خالف هؤلاء الصحابة،
ومعهم بعض التابعين في المال المستفاد[35].
وأوجبوا إخراج زكاته، عند تملكه إذا بلغ نصابا بنفسه أو بما عنده دون اشتراط
الحول.
وقد ذكر ابن رشد في
سبب الاختلاف : (( إنه لم يرد في ذلك حديث ثابت)). وهو توجيه صحيح.
القدر المجمع عليه في
أمر الحول
والأمر الذي لا خلاف
فيه بين أحد من السلف والخلف، أن الزكاة في رأس المال من الماشية والنقود والثروة
التجارية لا تجب في العام الواحد إلا مرة واحدة، وإن الزكاة لا تؤخذ من مال واحد
مرتين في العام، رويابن أبي شيبة عن الزهري قال: لم يبلغنا عن أحد من ولاة هذه
الأمة الذين كانوا بالمدينة –أبو بكر وعمر وعثمان- أنهم كانوا يثنون الصدقة، لكن
يبعثون عليها كل عام في الخصب والجدب لأن أخذها سنة من رسول الله صلي الله عليه
وسلم[36].
وكان هذا من سبق
الشريعة الإسلامية وعدلها وإعجازها، فلم تترك فرص الزكاة لرغبة الحكام والطامعين
يفرضونها كلما اشتهت أنفسهم ولا لهوي الأفراد من الناس الذي أحضرت أنفسهم الشح، بل
جعلتها فريضة دورية محددة وقدرته بالحول، لأنه الذي تتغير فيه الفصول وتتجدد مكاسب
ذوي الأموال، وتطرأ حاجات ذوي الحاجات، وهو المدة المعقولة التي سمكن أن يتحقق
فيها نماء رأس المال، وتربح التجارة وتلد الماشية وتكبر صغارها هكذا[37].
قال المحقق ابن القيم
في هدي الرسول صلي الله عليه وسلم في الزكاة: إنه أوجبها مرة كل العام،وجعل حول
الزروع والثمار عند كمالها واستوائها، وهذا أعدل ما يكون، إذ وجبها كل شهر، أو كل
جمة يضر بأرباب الأموال، ووجوبها في العمر مرة يضر بالمساكين،فلم يكن أعدل من
وجوبها كل عام مرة[38].
مضي عام أو حولان
الحول قمري علي ملك النصاب
لقوله صلي الله عليه
وسلم: (( لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول [39])).
ولإجماع التابعين والفقهاء، وحول الزكاةقمري لا شمسي بالاتفاق كباقي أحكام الإسلام
من صوم وحج، ولفقهاء المذاهب آراء متقاربة في حولان الحول.
فقال الحنفية[40]:
يشترط كون النصاب كاملا في طرفي الحول، سواء بقي في أثنائه كاملا أم لا، فإذا ملك
إنسان نصابا فيبدء الحول ثم استمر كاملا لنهاية الحول، من غير أن ينقطع تماما في
الأثناء أو يذهب كله في أثناء العام، وجبت الزكاة، وتجب أيضا إن نقص في أثناء
الحول ثم تم في آخره، فنقصان النصاب في الحول لا يضر إن كمل في طرفيه.
والمستفاد ولو بهبة
أو إرث في وسط الحول يضم إلي أصل المال وتجب فيه الزكاة، لأنه يعسر مراعاة
وضبطالحول لكل مستفاد، وفي ذلك حرج لاسيما إذا كان النصاب دراهم وهو صاحب غلة
يستفيد كل يوم درهما أو درهمين، والحول ما شرط إلا تيسيرا للمزكي.
وحولان الحول شرط في
غير زكاة الزرع والثمار، أما فيهما فتجب الزكاة عند ظهور الثمرة والأمن عليها من
الفساد إذا بلغت حدا ينتفع بها، وإن لم يتحقق الحصاد.
وقال المالكية[41]:
حولان الحول شرط في العين ( الذهب والفضة) والتجارة، والأنعام وليس بشرط في المعدن
والركاز والحرث[42] (الزرع والثمار)،
وإنما تجب ذلك بطيبه[43] ولو لم يحل الحول.
أما المال المستفاد
في أثناء الحول : فإن كان من هبة أو ميراث، أو من بيع أو غير ذلك، لم تجب عليه
زكاة حتي يحول عليه الحول. وإن كان ربح مال أو تجارة، زكاه لحول أصله، سواء أكان
الأصل نصابا، أو دونه إذا أتم نصابا بربحه، لأن ربح المال مضمون إلي أصله، فإذا
نقص النصاب من الذهب أو الفضة في أثناء الحول ثم ربح فيه أو اتجر فربح، وجبت
الزكاة، وخلاصة القاعدة عندهم :أنحول ربح المال حول أصله، وكذلك حول نسل الأنعام
حول الأمهات.
ويشترط أيضا مجيء
الساعي مع الحول في الماشية، فلا تجب الزكاة فيها قبل مجيئه.
وقال الشافعية [44]
: مثل المالكية : حولان الحول شرطفي زكاة الأثمان (النقود) وعروض التجارة
والماشية، وليس بشرط في الثمار والزرع والمعادن والركاز. ويشترط مضي حول كامل
متوال،فلو نقص النصاب في أثناء الحول ولو لحظة لم تجب الزكاة إلا في نتاج
الماشية،فيتبع الأمهات في الحول وإلا في ربح التجارة فيزكي علي حول أصله إذا
كانالأصل نصابا، فمتي تخلل زوال الملك أثناء الحول بمعاوضة أو غيرها كالبيع
والهبة، استأنف الحول، وإذا كان النصاب كاملا في بدء الحول ثم نقص في أثناءه، ثم
كمل بعد ذلك لم تجب الزكاة إلا بمضي حول كامل من يوم التمام.
وأما المستفاد في
أثناء الحول بالبيع أو الهبة أو الإرث أو الوقت ونحوها مما يستفاد لا من نفس
المال، فله حول جديد مستقل عن الأصل أي في غير النتاج وربح التجارة كما بينا،
فيستأنف له الحول لتجدد الملك، ولا يجع إلا ما عنده في الحول.
ويكره، وقيل :يحرم
وعليه كثير أن يزيل ملكه عما تجب الزكاة في عينه بقصد رفع وجوب الزكاة لأنه فرار
من القربة.
وقال الحنابلة[45]
: يشترط حولان الحول في زكاة الأثمان (الذهب والفضة) والمواشي وعروض التجارة، ولا
يشترط في غيرها من الثمار والزروع والمعادن والركاز، والمعتبر وجود النصاب في جميع
الحول، ولا يضر النقص اليسير كنصف يوم أو ساعات. فلو نقص النصاب في أثناء الحول
وجب بدء حول جديد إلا في النتاج وأرباح التجارة، فإنها تضم إلبي أصلها، لأنها تبع
له ومتولدة منه والأرباح تكثر وتتكرر في الأيام والساعات، ويعسر ضبطها وكذلك
النتاج، وقد يوجد ولا يشعر به، فالمشقة فيه أتم لكثرة تكرره.
أما المستفاد في
أثناء الحول بالبيع أو الهبة أو الميراث أو الاغتنام ونحو ذلك، فله حول مستقل،
لاتجب زكاته إلا بمضي حول تام عليه، لأنه يندر ولا يتكرر فلا يشك ضبط حول له، فإن
شق فهو دون المشقة في النتاج والأرباح، فيمتنع قياسه عليها.
والخلاصة : أن حولان
الحول شرط متفق عليه، وأن نتاج الماشية وأرباح التجارة تضم إلي أصل النصاب
بالاتفاق، أما المستفاد في أثناء الحول من جنس المال غير النتاج والأرباح فيضم
إليه ويزكي معه عند الحنفية، تيسيرا علي المزكي، ودفعا للمشقة والعسر عنه، إذ يعسر
حساب الحول لكل مستفاد، والحول ما شرط إلا تيسيرا علي الناس في إخراج الزكاة.
ويحسب لكل مستفاد حول
جديد عند الجمهور، لأنه مقتضي العدل، ولتجدد الملك، فيشترط له الحول كالمستفاد من
غير جنس المال الأصلي الذي بدئ به النصاب، ولحديث: (( من استفاد مالا فلا زكاة فيه
حتييحول عليه حول)).
وقت وجوب الزكاة
اتفق الفقهاء[46]
في المفتي به عند الحنفية علي وجوب الزكاة فورا بعد استيفاء شروطها من ملك النصاب
وحولان الحول ونحوهما، فمن وجبت عليه الزكاة وقدر علي إخراجها لم يجز له تأخيره،
ويأثم بالتأخير بلا عذر، وتلرد شهادته عند الحنفية، لأنه حق يجب صرفه إلي الآدمي
توجهت المطالبة بالدفع إليه، والأمر بالصرف إلي الفقير ومن معه قرينه الفور، لأنها
لدفع حاجته، فإذا لم تجب معالجة لم يحصل المقصود من الإيجاب عن وجه التمام.
فإن أخرها وهو قادر
علي أدائها ضمنها، لأنه أخر ما وجب عليه مع إمكان الأداء كالوديعة إذا طلب منها
صاحبها.
وقت اداء الزكاة
تؤدي الزكاة بحسب نوع
المال الذي تجب فيه
1. فزكاة الأموال من
النقدين ( الذهب والفضة) وعروض التجارة، والسوائم تدفع بعد تمام الحول مرة واحدة
في كل عام
2. وزكاة الزروع
والثمار تدفع من غلاتها عند تكرر الإنتاج ولو تكرر مرارا في العام الواحد، فلا
يشترط حولان الحول، ولا بلوغ النصاب عند الحنفية، ويشترط نصاب عند الجمهور.
أما وقت وجوب العشر
في الثمار والزرع فمختلف فيه:
قال أبو حنيفة وزفر [47]:
يجب عند ظهور الثمرة والأمن عليها من الفساد، وإن لم يستحق الحصاد إذا بلغت حدا ينتفع
بها[48].
وقال الدردير المالكي
[49]
: وجوب الزكاة بإفراك الحب،أي طيبه وبلوغه حد لأكل منه واستغنائه عن السقي، لا
باليبسولا بالحصاد ولا بالتصفية، وبطيب الثمر : وهو الزهو في بلح النحل، وظهور
الحلاوة في العنب.
وقال الشافعية [50]:
تجب الزكاة ببدو صلاح الثمر، واشتداد الحب، لأن الثمر حينئذ ثمرة كاملة، وهو قبل
ذلك حصرم وبلح، والحب حينئذ طعام وهو قبل ذلك بقل أي طري. وليس المراد بوجوب
الزكاة بما ذكر وجوب إخراجها في الحال، بل انعقاد سبب وجوب إخراج التمر والزبيب
والحب المصفي عند الصيرورة كذلك. علما بأن مؤنة الجفاف والتصفية والجذاذ والدياس
والحمل وغيرها مما يحتاج إلي مؤنة علي المالك ليست من مال الزكاة
والحنابلة[51]
كالشافعية : تجب الزكاة عند اشتداد الحب في الحبوب وعند بدو صلاح الثمرة التي تجب
فيها الزكاة.
3. تجب زكاة العسل في
رأي الحنفية والحنابلة عندحصول ما تجب فيه، وزكاة المعادن عنداستخراج ما تجب فيه.
وزكاة الفطر في غير الحنفية عند غروب الشمس من ليلة الفطر.
الفصل ابثاني
[3]
قال الزمخشري في الفائق جـ 1 ص 536 ط أولي : الزكاة فعلة كالصدقة، وهي من الأسماء
المشتركة، تطلق علي عين : وهي الطائفة من المال المزكي بها، وعلي معني : وهو الفعل
الذي هو التزكية. ومن الجهل بهذا أتي من ظلم نفسه بالطعن عن قوله – عز وجل – (( والذين هم للزكاة فاعلون )) ذاهبا إلي العين، وإنما المراد : المعني الذي هو
الفعل، أعني التزكية.
[12]
رواه الطبراني في الأوسط، وروايته ثقات
والحاكم والبيهقي في حديث إلا أنهما قالا (( ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر)) وقال الحاكم صحيح علي شرط مسلم. الترغيب والترهيب
جـ 1 ص 270 ط المنيمرية. ومجمع الزوائد جـ 3 ص 97
[13]
من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، رواه
أحمد والنسائي وأبو داود وقال : وشطر ماله، وهو حجة في أخذها من الممتنع ووقوعها
موقعها ( نيل الأوطار : 4 / 121 وما بعدها).
[14]
هو الأنثي من أولاد المعز، وفي الرواية
الأخري : عقالا، والمراد بالعقال عند جماعة : هو زكاة عام إذ لا يجوز القتال علي
الحبل الذي يعقل به البعير، وقال كثير من المحققين: المراد به الحبل الذي يعقل به
البعير علي سبيل المبالغة
[17]
نسب إلي علي، وهو غريب ليس بمعروف، وذكره
سبط ابن الجوزي في آثار الإنصاف عن عثمان وابن عمر، رواه أبو عبيد في الأموال عن
الحسن البصري، ورواه مالك عن عمر بن عبد العزيز، وفيه انقطاع، قال مالك : الضمار:
محبوس عن صاحبه. والضمار في اللغة : الغائب الذي لا يرجي، وأصله الإضمار أي
التغييب والإخفاء (نصب الراية : 2 / 334،
رد المحتار : 2 / 12).
[19]
بنو تغلب : عربنصاري، هم عمر رضي الله عنه
أن يضرب عليهم الجزية فأبوا، وقالوا : نحن عرب لانؤدي ما يؤدي العجم، ولكن خذ منا
ما يأخذ بعضكم من بعض، يعني الصدقة، وقال عمر: لا، هذه فرض المسلمين، فقالوا :
فزدما شئت بهذا الاسم، لا بالاسم الجزية، ففعل وتراضي هو وهم أن يضاعف عليهم
الصدقة. وفي رواية : هي جزية سموها ما شئتم (رد المحتار: 2/ 37)
[20][20]
حديث ضعيف رواه الترمذي والبيهقي عن عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده، ورواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح عن يوسف ابن ماهك عن
النبي صلي الله عليه وسلم مرسلا، ورواه البيهقي عن عمر موقوفا عليه، وقال : إسناده
صحيح (المجموع: 5/ 297، نصب الرواية: 2/ 331 وما بعدها)
[33][33]
قال الحافظ في التلخيص ص 175 رواه الدار
القطني والبيهقي من حديث ابن عمر وفيه إسماعيل ابن عياش وحديثه عن غير أهل الشام
ضعيف، وقد رواه بعض الرواة موقوفا، وصحح الدار قطني في العلل الموقوف، ولكن الحديث
ضعيف باتفاق، والخلاف فيه قائم منذ عصر الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وقد حكي
ذلك ابن رشد نفسه عن ابن عباس ومعاوية، والرواية عنهما صحيحة، كما صحت عن ابن
مسعود أيضا.
[35]
انظر المحلي جـ 6 ص 83-85، ونيل الأوطار
جـ 4 ص 138، والروض النضير جـ 2 ص 411-412 ، وسبل السلام جـ 2 ص 129
[39][39]
روي من حديث علي عند أبي داود وهو حسن،ومن
حديث ابن عمر وأنس عند الدار القطني وهو إما ضعيف أو موقوف، ومن حديث عائشة عند
ابن ماجه وهو ضعيف (نصف الراية : 2/ 328
وما بعدها).
[41]
القوانين الفقهية : ص 99، 101، الشرح
الصغير : 1/ 590، بداية المجتهد: 1/
261-263، شرح الرسالة: 1/ 326
[43]
تجب الزكاة بإفراك الحب : وهو طيبه وبلوغه
حد الأكل منه واستغناءه عن السقي لا باليبس والحصاد ولا بالتصفية، وطيب الثمر: هو
الزهو في بلح النخل،وظهور الحلاوة في العنب (الشرح الصغير : 1 / 615) هذا ما ذكره الدردير، وجاء في شرح الرسالة (1/ 318) أن الوجوب يتعلق بيوم الحصاد والجداد وهو المشهور.
[46]
الدر المختار : 2/ 16
وما بعدها، شرح الرسالة : 1/ 317، القوانين الفقهية : ص 99،
بجيرمي الخطيب : 2/ 320، المجموع: 5 / 302، 305، المهذب : 1 /
140،كشاف القناع : 2/ 192، المغني : 2/ 684
[49][49]
الشرح الصغير : 1/ 615، وقال في (شرح الرسالة:
1/ 318):الوجوب يتعلق بيوم استحقاق الحصاد، والجدادوهو
المشهور، فتجب يوم الاستحقاق وتخرج بسبب الإمكان
اضف تعليقاً عبر: